Tuesday, October 11, 2011

يسقط يسقط حكم العسكر

تنحصر مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن وسلامته - الدستور الاردني


توطئة

من أكثر الاتهامات سذاجةً التي وجهت وتوجه ضد الحراك الشعبي وشعاراته أنها ليست أكثر من تقليد للثورات العربية ومحاولة نقل شعارات تلك الثورات وخاصةً التونسية والمصرية إلى الاردن مع إنه الاردن "غير"، وظروفه الموضوعية مختلفة عن تلك الدول.

أن سذاجة هذا الاتهام تنبع من أنه لا يعي قدرة الانسان المذهلة على إهمال "مقاطع وظواهر وأحداث" بديهية تدور حوله،بشكل تام كأنها ليست موجودة (خاصةً إذا كانت بتجيب وجع راس)، إلى أن يتم لفت نظره أو تنبيهه اليها. فكر فقط ببعض المشاهدات التي يمكنك جمعها في كتيب صغير بإسم "أشياء بدت عادية في وقتها" من طفولتك إلى أول مبارح، للتتذكر أن بعض ما يبدو روتينياً عادياً هو فعلياً مخالف لكل الأعراف الإنسانية يصل أحياناً إلى مرحلة الجرائم.

(أبسط مثال هو لو افترضنا أن هناك صورة تزين خلفية حياتك بشكل دائم، في الباص والمكتب والملعب والدكانة والشارع والبنك والمدرسة والمطعم، فإن عقلك الباطن سيقوم بالتعتيم عليها فلا تعد تراها، حتى ترى ما حصل لصور صدام ومبارك والقذافي، بتصير كل ما تشوف جدارية عملاقة مهداة من قهوة أبو العبد لامانة عمان تبتسم أمامها واحياناً قد تضحك بصوت عالي).

يعني بإستعمال فيديو إختبار الوعي المعروف، بينما تلتهي بمتابعة الكرة وعد التمريرات، بكون الدب عم بدبك على وجهك...وحتى لا نغرق بالرمزية، عد التمريرات هو كناية عن اللجان الاقتصادية والدستورية الملكية الوهمية، والمجالس النيابية الفكاهية، والسجالات والندوات العامة والخاصة والمقالات والسواليف العبثية عدا عن الانشغال بالامور الحياتية لتأمين الاحتياجات الأساسية)، أما الدبدوب الراقص في وسط كل هذا فهو "الشبح الذي يحكم البلد*" (*بحسب وصف سفيان عبيدات في ندوة حبر عن دور المخابرات).

من يحكم الاردن؟

في هذه المرحلة من تاريخ الاردن لا أحد يملك الجواب على هذا السؤال! فحتى أكبر "المحللين السياسين في البلد" من المقربين من أصحاب أعلى مناصب في البلد ليس لديهم أدنى فكرة فعلاً من هو صاحب القرار (أو العقل المدبر إللي بلعب بالنار بحسب رنا الصباغ). لكن هناك بعض المعطيات ظهرت بوضوح خلال السنة الأخيرة:

(تذكير: إكتشاف من يحكم البلد ليس مجرد حل لغز بوليسي للتسلية، لكن من أجل محاسبته في حالات الفشل وشكره في حالات النجاح)

-إتفق الشعب الاردني بكافة أطيافه أخيراً أن رئيس الوزراء،صاحب الولاية العامة دستوراً، مش أكثر من واجهة أو فزاعة (تتطور أحيانا إلى منفضة غبرة (ألطف أداة لقيتها)) ينحصر دوره في تسيير الأعمال وتنفيذ التوجيهات (من فوق من تحت مش فارقة). يعني أمين عام بدور قردين ونص: لا أرى لا أسمع ولما تيجيني تعليمات أتكلم، بقول ما بعرف.

-بالمقابل هناك خلاف في أوساط الطبقة المفروض انها فهمانة وبتحب تخرج بنظريات في هوية حاكم البلد: مجموعة تصر على أن المخابرات تلعب دور كبير في حكم البلد لكن تحت سيطرة القصر، ومجموعة ترى أن المخابرات تتدخل في إدارة البلاد بالرغم من إرادة الملك على أساس أنها لعبت دور كبير في تنصيبه. مجموعة بتحكي هو بدو يقلص دوره بس المنتفعين ما بدهم وأخرى بتقلك إذا راحو المنتفعين بهتز العرش.يدخل تحت هذه الفرضيات الحديث عن قوى شب عكسي ورغبة بالاصلاح، و هو بدو بس مش قادر،والدجاجة من البيضة أو البيضة من الدجاجة. وعلى رأي القاعدة البسيطة: تتبع المصاري: تبادل مصالح مع طبقة منتفعين توفر مستوى معيشة على مستوى أمير قطر وسلطان بروناي فبلعبوا سوا سوا، وأي تغيير حقيقي ليس في مصلحة أحد.

إستنتاج يؤسس لنظرية

الأجهزة الأمنية في الاردن لا تتدخل في الحياة السياسية لأنها هي ذاتها "الحياة السياسية"، فالجيش والمخابرات والأمن العام والدرك والبحث الجنائي، وكل الأجهزة البولسية التي ترتدي الزي العسكري هي مؤسسات الحكم الفعلية في البلاد. عشرات الالاف من البكوات والباشوات من حملة الياقات الحمراء هم من يرسمون سياسات الدولة ويمثلون مؤسستها الوحيدة الفاعلة التي تلعب أدوار السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. كل "مظاهر" الحكم المدني من وزراء ونواب وحتى مدراء الدوائر ليسوا أكثر من واجهات (أو أبواب استرزاق أخرى لإصحاب الحظوة) أكبر واحد فيهم ما بمون على بصلة. يكفي دليلاً أن مجرد الحصول على هذا المنصب المدني الوهمي يحتاج للحصول على موافقة من تلك الأجهزة العسكرية.

وضماناً للسيطرة الكاملة للمؤسسة العسكرية فإن حتى هذه المؤسسات المدنية المخصية يتم اغراقها بمنتسبي الجيش السابقين، فيتم تسويقهم كسياسيين وزراء ونواب، لا بل وحتى كرموز معارضة، على أساس أن خلع الزي العسكري يكفي لتحويل عقلية تنفيذ أوامر من هم أعلى منك رتبة بلا نقاش إلى عقلية سياسية تتفاوض وتنصح وتخالف، حتى أنها قد تخالف من كانوا حتى أشهر قليلة قادتهم العسكريين ممن كان مجرد النقاش معهم يعتبر جريمة! في الاردن ممكن في اي لحظة أن يكون رئيس الوزراء ورئيس الديوان ورئيس مجلس النواب وزعيم المعارضة كلهم نتاج الأجهزة الأمنية, بمختلف مسمياتها.

هل هناك فرق بين خطاب اللواء معروف البخيت على نشرة الأخبار بعد 24 اذار وخطب اللواء محسن الفنجري الشهير،بمافي ذلك حركة الاصبع؟ منذ إنقلاب القصر على حكومة سليمان النابلسي البرلمانية تم تشكيل 44 حكومة منها 22 برئاسة عسكر.هل يستطيع متابع للمؤتمرات الصحفية الأخيرة بين وزير الداخلية (سواء السرور أو الساكت) ومدير الأمن العام أن يحدد من هو الرئيس ومن هو المرؤوس؟ يكفي أن وجود وزراء داخلية بهذا الضعف والتهلهل في مرحلة لا شك أنها حساسة دليل على أن وزير الداخلية ليس له دور أساساً في اي من الامور الداخلية. هل يستطيع رئيس الوزراء بوصفه وزير الدفاع أن يرفع سماعة التليفون للإتصال مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للإستفسار عن أعداد الجنود الاردنيين ممن حالياً يخدمون في الخارج،أو السؤال مثلاً عن صفقة طائرات سمع أن هناك من "يفاوض" عليها؟ كيف يمكن أن يكون رئيس الوزراء صاحب الولاية العامة وقائد الجيش (إذا لم يكن حتى مدير المخابرات ومدير الأمن العام وقائد الدرك) أعلى سلطةً منه، ولو حتى معنوياً؟

نحو الدولة المدنية

لا شك أن الجيش العربي الاردني لعب دوراً محورياً في بناء الهوية الاردنية (بغض النظر عن دور جون باغت كلوب في رسم الملامح، فالعودة إلى دراسة جورج مسعد أثار استعمارية تطول وليس هذا المجال)، كما عملت المؤسسة العسكرية في سد فراغات كبيرة عجزت أجهزة الدولة الخدماتية عن إيجاد حلول لها في التعليم والتموين والتوظيف. لكن بناء الدولة المدنية العصرية يبدأ من الحد من تدخل الجيش في كل مناحي الحياة وتكريس جهوده لإداء واجبه الدستوري الوحيد وهو الدفاع عن حدود الوطن، إن لم يكن لشيء، فللحفاظ على هيبته.

وفي اطار الدولة المدنية، فإن الجيش وقيادته وموازنته التفصيلية تخضع لسلطة رئيس الوزراء (منتخب أو معين أو حتى لو كان البخيت). أما افراده من شتى الرتب فيتمتعون بسائر الحقوق التي يتمتع بها المواطن الاردني: فلا منح ولا مقاعد جامعية ولا إعفاءات جمركية تباع بالسوق السوداء، ولا سيارات تتسوق لإحتياجات المنزل ولا قصور ولا فوائض نقدية في أدراج مكاتب الباشوات ولا حتى إلغاء لمخالفات السير أو تجاوز للدور في دائرة الحكومية. فكل هذه الإمتيازات مخالفة للدستور، وكل المواطنين سواسية في خدمة الوطن، كل في موقعه.

أما مهزلة الذراع الاستثماري للجيش التي تدير المشاريع العقارية الضخمة وتتاجر بالشقق والمواد التموينية فهي من الخطورة بأنها بدأت فعلاً بتحويل الجيش من المؤسسة السياسية الوحيدة في البلد، إلى المؤسسة السياسية الوحيدة والفاسدة، ليس فقط من ناحية إبتلاع نصف موازنة الاردن بلا حسيب أو رقيب، لا بل "بإستثمار" هذه الأموال في بزنس لا يدري أحد كيف يتم تمويله ونفق ارباحه، وبدون تكرار للتفاصيل.


خاتمة

لا بد أن نتفهم أن يهب الحاصل على هذه الامتيازات غير الدستورية للدفاع عن هذه الإمتيازات، التي لا شك أنها تفوق بكثير مساهماته، فيلجأ إلى الريتورك المستهلك وكليشيهات برنامج حماة الديار، من تضحية ودرع وزهرة شباب وذود عن الحمى وخضب بدمائه وثرى وتراب، مع بعض التخوين طبعاً لمن يكرهون الوطن ولم يتمرمغون في العسكرية ولم يحملون السلاح (المرخص طبعاً) ... وهذا الخطاب المقاتل التخويني يأتيك على الأغلب من المقعد الامامي لسيارة فورد إكسيرجين من 10 مقاعد بتلفلف بعبدون بنص النهار، إحتمال مع سائق، وإحتمال بدون.

لكن تذكر عزيزي المدافع عن مكتسباتك (وهذا حقك) أن فتح باب التجنيد بحد ذاته مكرمة، وأن ترفيعك مكرمة محكومة بمدى ولاءك وولاء عشيرتك وليس محكوم بالأداء أو الكفاءة أو التضحية، وأن الجيوش التي تبنى على المكرمة والاستنفاع غير مؤهلة أساساً للدفاع عن الحمى والثرى والتراب ولا بتعرف تحارب. وتذكر أن الجيوش التي تعمل في السياسة والبيزنس مباشرة أو من وراء حجاب هي ليست أكثر من درع آخر من الأجهزة البوليسية للدول الشمولية،مهمتها الوحيدة الدفاع عن مكتسباتها والدفاع عن من يصرف لها هذه المكتسبات، مهما تطلب الأمر.