Thursday, April 26, 2012

قرفنا فتطرفنا

خواطر مواطن لا يمثل إلا نفسه

إن الدكتاتور الاتوقراطي المستبد لا يمكن له أن يعمل بدون حزب حاكم يزوده بالكوادر اللازمة للإدارة في شتى المجالات، والتي تمكنه من القيام بالوظائف الأساسية اللازمة لضمان البقاء، فتصبح هذه الكوادر "مفرطة الولاء" هي الطبقة المنتفعة المرتبطة وجودياً بالدكتاتور، ويعملا معاً بتفاهم لمصالحهما فقط. 

النظرة السريعة على من يطلق عليهم "رجالات" الدولة الاردنية على مدى الخمسين عاماً الماضية كفيلة بالكشف عن أن الوزراء والسفراء واعضاء مجالس الامة بشقيه وكبار الموظفين ورؤساء الهيئات ومن لف لفهم في مجملهم أبناء حزب واحد، هو حزب المخابرات والاجهزة الأمنية. فهؤلاء "الرجال" إما أعضاء فعليين في الجهاز (الحزب) أو أصدقاء له أو من مناصريه أو حتى في أسوأ الأحوال حاصلين على تنسيبه (وموافقته) حتى لو كان الأمر يتعلق بترفيع موظف حكومي من الدرجة الرابعة إلى الثالثة أو حتى ترفيع ضابط جيش من (من عقيد إلى عميد). وكأي حزب فعال، يلتحق بالأعضاء والاصدقاء والمناصرين والمؤازرين فريق لوجستي من منظرين ومثقفين (بالاحرى كتبة) ومناشير على شكل صحف رسمية وبرامج عمل داخلية وتمويل مستقل (من دافع الضرائب أو من تمويل أجنبي لأهداف)، وخطط  تجنيد أعضاء جدد، ومهرجانات ،وهذا أكثر من بديهي في حالة الحزب الحاكم الاردني.

مع إستلام الملك الجديد لراية الحاكم الأوحد ظهر حزب جديد لينافس الحزب التقليدي وهو حزب الديوان الملكي، الذي وإن كان قد ولد أساساً من رحم الحزب الام  فقد حاول أن يستقل عنه. فظهرت كوادره الجديدة من خارج المؤسسة الأمنية في مختلف مجالات الحياة السياسية (واهمها إقتصادياً) من مستشارين في الديوان ارتقوا إلى وزراء وحتى إلى رؤساء حكومات.

وإذا كان الحزب القديم كان قد إستمد حظوته  التاريخية لدى الحاكم من قدرته على ضمان عرشه والمحافظة عليه "أمنياً" ، فإن الحزب الجديد قدم للحاكم ما كان يحتاجه في تلك الفترة، وهو الثروة.  فالحزب الجديد الذي قام على نخبة من رجال الأعمال "الشباب" من أصحاب الرؤى الاقتصادية الفذة كان قادراً على إيجاد مصادر جديدة لضخ الأموال في خزينة القصر التي اضمحلت (نوعاً ما) بعد أن اقتسمها الورثة، خاصةً وأن متطلبات مستوى معيشة من كان أباه ملكاً تفوق بكثير متطلبات من إضطر يوماً أن يبيع بسكليته.

وعليه، فإن لحظة تحويل مدير المخابرات المخضرم البطيخي للقضاء بذلك الشكل المهين، وعلى قضية عطاء كمبيوترات سخيفة بالمقارنة ، لم تكن مجرد تصفية  حسابات شخصية بقدر ما كانت رسالة إلى...إحم..."الحرس القديم" بأن الحزب الأوحد لم يعد فوق الجميع وأن هناك حزب جديد للقصر يشاركهم السلطة، والعبوا سوا سوا أحسن.
 
وما العبث الذي جرى على الساحة السياسية الاردنية في العامين السابقين سوى صراع قوى بين "طرفا" الحزب الحاكم، أو الحزبان الحكامان، فتحته التغييرات في المنطقة على مصراعيه. فالصراع بين "بيروقراطية الدولة" والليبرالية الجديدة، وبين "الاصلاحيين" وقوى الشد العكسي، وحتى حرية التعبير والسقوف، من "تطاول على الديوان" إلى المطالبة بإقالة مدير المخابرات، هي ليست أكثر من  كسر عظم بين الحزبين بإستخدام أدواتهما للتأثير على الحاكم واستمالته إلى أحد الطرفين. (يشبه أحد الأصدقاء القريبين من المشهد قضايا الفساد "الكبرى" بلعبة الورق بين المخابرات والديوان: بتنزلي بالمعاني، بنزلك بالبخيت، بتنزلي بالذهبي، بنزلك بالكردي). وهذا بالمحصلة كان ظاهرة  صحية جاءت لمصلحة الناس الذين مكنهم "الصراع" من كشف بعض الفاسدين، والأهم إكتشاف أسلوب إدارة الدولة الفاشلة والية صنع القرار الهزلية  وبالتالي كسر هيبة الحزبين والحاكم مع بعض، الأمر الذي تنبه له الأطراف الثلاثة مؤخراً، فالثلاثة يتفقون تماماً على الضرورة الحتمية للحفاظ على النظام بشكله المتعفن الحالي، لما فيه من حفاظ على مصالحم جميعاً. 

بالمحصلة، فإن كل الحديث عن تعديلات دستورية وقوانين إنتخاب وحكومات دستورية تشكلها أغلبية نيابية، والحديث عن فصل السلطات وإستقلالية القضاء ليس له أي داعي، وهو مجرد رقص في العتمة ولغو. فحتى الحكومات  سريعة القذف التي ساد الإعتقاد يوماً بأنها طرف في صنع القرار مع المخابرات والديوان أصبح من البديهي أنها ليست سوى إفراز لسطوة أحد الحزبين على الآخر، وحسب حاجة الحاكم المرحلية. فالرئيس من أحد الحزبين، والتشكيل الوزاري يحتفظ بحد أدنى من التمثيل لكلاهما بغض النظر عن إنتماء الرئيس، لضرورات الحفاظ على خط الرجعة، وطبعاً مع شوية مستقلين وحزبيين منتهي الصلاحية لغايات الاكسسوار. وبالتالي مرجعية الحكومات هي الحزب الذي أفرزها.

 أما قمة الفكاهة والعبث (الذي تحول إلى قمة الملل والقرف)  تتجلى عندما تناط الرئاسة بشخص من خارج  أحد الحزبين لضرورة أو ضغط ما، مثل الخصاونة أو عدنان بدران، فإن انعزاله عن صنع القرار وعجزه وقلة حيلته يصبحان من الوضوح والإهانة إلى درجة تثير الشفقة.

وختاماً، فإن الأنظمة القائمة على حاكم أوحد مستبد، يحتمي برعاية أجنبية، ويبني عرشه على حلقات من المنتفعين تحمي أمنه وثروته قد أصبحت أنظمة منتهية الصلاحية. وهذه الأنظمة لا يمكن إصلاحها بوصفات ووعود، حتى على الفرض الواهم بأنها جادة، لأنها غير قادرة على الاصلاح، فخرابها أساس وجودها العضوي، وضمان استمرارها. نظام جامد بعقلية منقرضة يرفض التطور، اساليبه وحزبه وإعلامه والعابه تنتمي لحقبة سابقة. نظام سارق لثروات غير موجودة ينافس دول النفط في الانفاق على حاكمه الذي يظن أنه وريث ارستقراطيات أوروبا. نظام يحكم دولة تحمل إسم عائلة حاكم (!) وهو لا يمت للدولة أو لإسم العائلة بصلة، لا نسباً ولا لغةً ولا نشأةً ولا حتى ولاءً، بشهادة التاريخ.

بس يا أخي يشهد الله إنه منحبك منحبك منحبك.
وفايز الطراونة خيار صح. 
شاء من شاء، وأبى من أبى.
اعطوه فرصة يا جماعة.
 وين في مسيرة ولاء وأنتماء بكرا؟