Sunday, May 29, 2011

الفاسد الوحيد

مقطع مترجم من مقال نشر عام 2005 في مجلة ذي ناشن بعنوان رسالة من الاردن: مملكة الفساد

السجين السمين الطليق الفار من وجه العدالة ليس سوى واحد من مجموعة وسطاء أو وكلاء أو متعهدين شاءت الظروف أن يستحق "فركة إذن" لسبب لن تكشفه الأيام. يعني إذا الواحد ممكن يختلف مع جوز أخته على عطاء رايح جاي إلا ما يختلف حتى مع صحابه. المقطع المترجم أدناه من مقال قديم ومتداول، لكن يبقى للأسف من المصادر المحدودة جداً التي قد تساعد وإن بصورة مشوشة على تقديم بعض المعلومات عن العلاقات التي ترسم ملامح البزنس (أو ما يسمى الفساد) في الاردن. حتى نصل إلى مرحلة يمكن فيها لصحفي محلي من الحصول على مذكرة داخلية من سلطة إقليم العقبة إلى مسجل دائرة الأراضي تطلب تسجيل قطع أراضي معينة بإسم جلالة الملك، ومن ثم سؤال الناطق الرسمي للحكومة عنها (كما فعل ستيفن غلاين في آخر هذا المقال)، ليس لنا سوى اللجوء لمقالات أجنبية قديمة أو إنتظار المقابلة القادمة مع كريستيان امنبور لمحاولة فهم ما يجري في بلدنا

يكتب ستيفن غلاين في ٣٠ أيار، ٢٠٠٥
وإنسجاماً
مع التسامح المتزايد الذي يبديه الاردن نحو الفساد وافق الملك عبد الله هذا الشهر على إلغاء حكم الإدانة الصادر عام 1992 بحق أحمد الجلبي، الذي يشغل اليوم منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية، لدوره في إنهيار بنك أردني كبير. "هناك نظرة جديدة نحو الفساد في الاردن،" يقول الصحفي عبدالله أبو رمان. "في الماضي كنا ننظر إلى الشخص الفاسد على إنه لص لكن الآن ننظر إليه كشخص ذكي بما فيه الكفاية ليتجنب القبض عليه

هنا يظهر الأخوة شاهين. من بداية متواضعة كتجار خضروات في الضفة الغربية، وضع الاخوان خالد ورياض واكرم شاهين أنفسهم في موضع "مقاولين الحكومة المفضلين". بحسب مقال نشر في التايمز اللندنية عام 1999 فإن الاخوان شاهين كانوا على معرفة (بالملك) عبدالله منذ أن التقاه خالد في حدث رياضي في دبي قبل حوالي عشر سنوات. بحسب تقرير التايمز فإن "خالد أمطر (الملك) بالهدايا وكان من ضمنها سيارة بورش" بحسب زعمهم. لم ينقض وقت طويل على إعتلاء الملك عبدالله العرش حتى قررت (الحكومة) إستبدال أسطول سيارات المرسيدس بطلبية هائلة من سيارات بي إم دبليو - الشركة التي كانت قبل أشهر قليلة قد اختارت الاخوة شاهين ليصبحوا وكلائها المحليين.
للمزيد عن حصول شاهين على وكالة بي إم دبليو إرجع إلى رسالة أبو ناعمه أو الجزء المترجم منها في في الأسفل

منذ ذلك الوقت نجح الاخوة شاهين في الحصول على العطاءات الكبرى واحداً تلو الآخر. عام 2003 تم إعطاء شركة يسيطر عليها الاخوة شاهين جزء كبير من عطاء تدريب الشرطة العراقية، بالرغم من أنها لم تكن تمتلك أي خبرة في هذا المجال (حصة شاهين من العطاء غير معروفة لكن التكلفة الإجمالية للعملية يمكن ان تتجاوز مليار دولار). في اذار من 2004 حازت شركة تابعة لشاهين على عطاء من البنتاجون بقيمة 72 مليون دولار لتزويد قوات التحالف في العراق بالوقود. تم إلغاء الصفقة بعد أسبوع لأن الشركة لم تكن قادرة على الوفاء بالتزاماتها. تبين أن معرفة الاخوة شاهين بأعمال تزويد الوقود لا تتعدى ما تعلموه من تهريب أكثر من سبعة ملايين برميل من العراق عام 2003 ، بحسب تقرير لصحيفة الفاينانشيل تايمز الانجليزية وصحيفة ايطالية. متحدث بإسم الحكومة الاردنية قال أنه لا توجد علاقات بين الملك عبدالله والاخوة شاهين

يستمر البزنس بالتدفق نحو الاخوة شاهين على الرغم من ضعف "تاريخهم الائتماني". في عام 1995 قام البنك العربي بمقاضاتهم لتحصيل 40 مليون دولار من القروض المستحقة. بعد خمس سنوات أقام بنك ستاندرد شارترد في لندن دعوى قضائية ضد الاخوة شاهين للمطالبة بدين غير مدفوع بقيمة 77 مليون دولار. يقول دبلوماسي في عمان: "الاخوة شاهين يعملون منذ فترة كوسطاء (كما يمكن ترجمة الكلمة التي استخدمت لوصفهم وهي فاكتور بأنهم عامل مهم)، وهم يعطون الانطباع بشكل دائم بإن الفرص ليست متكافئة (للتنافس ضدهم)، ويتحدثون عن أنهم يتمتعون بحماية من أعلى المستويات

على الهامش: هاني أبو ناعمة يتحدث عن خسارة وكالة بي إم دبليو بعد 33 عام لمصلحة خالد شاهين

طلبنا لقاء مع مدير المكتب الرئيسي لمجموعة بي إم دبليو في ميونيخ (حزيران 1999) وكان ودياً إلا أن الحاضرين من طرف المجموعة اصروا على أن أي حديث عن تعويضات لشركة أبو ناعمه يجب أن تبحث مع خالد شاهين بصفته أصبح المستورد الحصري... بعدها قال مدراء بي إم دبليو بأنهم إلتقوا مع جلالة الملك عبدالله وان "هناك بعض الامور التي لا يمكنهم الافصاح عنها". ثم أضافوا أن مجموعة بي إم دبليو وخالد شاهين، وبمباركة جلالة الملك، يخططون لإنشاء مصانع لتجميع سيارات بي إم دبليو وروفر في معان... شرحنا لهم بأن من نقل اليهم الإنطباع الخاطئ بأن ملك الاردن يتدخل في أعمال الشركة يقوم بتضليلهم

عند عودتي قمت بالاتصال برئيس الديوان فيصل الفايز وأعلمته بما دار في إجتماع ميونيخ كما قمت بكتابة رسالة إلى جلالة الملك أوضح فيها ما صدر من مدراء من تلميح حول علاقة جلالته مع المستورد الجديد. أعرب السيد الفايز عن الصدمة والغضب لما سمع إلى حد أنه على الفور وبحضوري أجرى اتصالا هاتفيا مباشرة مع مكتب بي ام دبليو الشرق الأوسط في دبي لرفض ادعاءاتهم والمطالبة بتفسير

Sunday, May 15, 2011

من وحي الاصلاح المستحيل


من البديهي إن كل الكلام عن الاصلاح وما إصلاح هو حكي فاضي وأن كل ما هناك هو شوية سواليف أو (ريتوريك) بحسب وصف مروان المعشر ولجان رايحة جاي يقابلها خطوات واضحة على الأرض تناقض كل هذا الحكي (التعامل العنيف مع التجمعات السلمية واستعمال المدنيين في قمعها، إختيار رؤساء الحكومات، تشكيل جهاز الدرك)، وقد يكون اخطرها الاستمرار باللعب على الحيلة القديمة بشرخ الشعب حسب أصوله. السبب هو ليس المنتفعين من النظام أو عدم قدرة صانع القرار على إقناع هؤلاء المنتفعين بضرورة الاصلاح، السبب هو أن الاصلاح المنشود يتعارض عضوياً (انترينسيكاللي) مع وجود النظام، والاصلاح إن كان فعلي يعني نهاية النظام، وبالتالي النظام ببساطة يحافظ على نفسه برفض الاصلاح لاستحالة التطبيق. هذه النظرية يشرحها بالتفصيل التحليل المهم للكاتب علي حتر والذي يمكن تلخيصه ب"هذه ليست ممارسة أو صفة قابلة للإصلاح بقرار".

إذاً عزيزي نصير الاصلاح وصاحب الأمال العالية بحياة أفضل في الاردن، بعد أن إتضح لك أن كل موضوع الاصلاح مجرد فيلم عرض متواصل من عشر سنين يبقى أمامك الخيارات التالية:

خيار الاصلاحي الأول: كافح كل الأفكار التي تخطر على بالك بأن هناك اشي غلط في البلد، وانضم لجماعة: كل شي تمام ومش ناقصنا غير أكمن حاجة صغيرة هون وهون والبلد واحة إستقرار وأمن وأمان، وإحنا أحسن من غيرنا وما في معتقلين سياسيين ويد النظام لم تتلطخ وإحمد ربك إنه الدرك مش عم بطخ رصاص حي على وجهك، والايكونومي بومينغ والاستثمارات جاية أوعى إتطفشها بهبلك، وتنساش السياحة، فركز في شغلك لأن الاصلاح يبدأ فيك يا فاسد يالي بترمي محارم في الشارع وبتصفش على الدور.

لا شك عزيزي الاصلاحي (السابق) أنك تعرف أشخاص وأصدقاء من أصحاب العقول الراجحة نجحوا في تدريب الدماغ (هذا العضو المذهل والمطيع) على تجاوز المنطق والبديهيات وإنضموا للقطيع، فالموضوع أسهل مما تتخيل: الكحول صحيح غالي لكن بديله المحلي متوفر بسعر معقول، الزنكس بتشتريه من أحلى صيدلية مثل الملبس، عندك طبعاً خيار انك تفتح شركة صغيرة وتغرق بالعمل الجاد لدرجة لا يعود معك وقت تفكر بالسخافات وتصبح أحلامك محصورة بانه جوجل أو حتى ارامكس تشتريك، برضه كمان إذا إنت فاعل الكترونيا بتقدر اتدبر واسطة منيحة وتشتغل في مكتب الملكة الاعلامي وبتصير من جماعة "كول كوين" على فيسبوك وتويتر ولا أزعم خروف، بدل ما إنت مقضيها غروبات ثورية ولينكات فارطة.

خيار الاصلاحي الثاني: انك تلم جميداتك أو ملوخياتك أو شبسوباسطاتك أو أي أكلة شعبية تشتهر فيها حارتكم وتلاقيلك أي بلد تعيش فيه بحد أدنى من الحياة الكريمة. هنا أيضاً خيارات واسعة وإن تطلب تحقيقها بعض الوقت: قدم هجرة على كندا أو أستراليا أو السويد، العالم قرية صغيرة والشاطر بلاقي شغل وين ما كان، اطلع كمل ماسترز و من هون لسنتين بفرجها الله وبتظل هناك، تعلم صيني وروح إشتغل مراسل قناة إخبارية بتايوان، دبر واسطة إلهية واطلع بعثة دبلوماسية.

هنا طبعاً قد تصطدم بما قد يظهر لك بأنه عائق في وجه راحة راسك والسعادة الأبدية في المهجر. العائلة والاصدقاء ومشكلة تربية الأولاد في بيئة غريبة عن عاداتنا وباقي الاسطوانة. عزيزي الاصلاحي (السابق) طمن بالك بأن هاتان الحجتان من مخلفات حقبات سابقة. بالنسبة للعائلة فيمكن إستبدال الساعتين زمان إلي بتقضيهم مع أهلك كل أسبوع بحديث متلفز على سكايب، بل على العكس هناك إحتمال كبير أن تزيد من الإتصال بأهلك وخالاتك وعماتك على أساس انك بعيد عنهم، مقارنة مع انك هون بتقنع حالك انك قريب عليهم وممكن تشوفهم بأي وقت وبالتالي بتصفي لاشفت ولا حكيت مع حدا منهم من العيد الكبير. واقعياً عندما تبدأ بتكوين أسرة وتقضي 12 ساعة يومياً في الشغل سواء هون أو هناك فسوف تكون محظوظ إذا طلعلك يوم بالاسبوع تشوف في مرتك، فإنساك من موضوع الأصحاب.

أما الاسرة فتأكد بأن فرص أولادك في حياة سعيدة ومثمرة ستتضاعف عشرات المرات في بيئة خارج الاردن، فإذا الولد كان ذكي بروح بعثة على أحسن جامعات العالم ويتم احتضانه بدل ما ينتحر في التوجيهي بعدين تصير تشحدلو مقعد، وإذا كان عند البنت أي نوع موهبة من تلك التي نعتبرها تضييع وقت مثل الرسم والموسيقى والرياضة فيتم احتضانها وقد تستطيع أن تحترف ما تحب وتصبح موهبتها مصدر دخلها، أما الأخلاق والقيم فهون بيجي دور الأهل، يعني أقل ما فيها راح تضطر انك تشتغل مع ولادك خطوة خطوة لأنه ما في فلبينية ولا حارات ترميهم فيها. يعني بإختصار البيئة الغريبة عن عاداتنا هي البيئة هون مش هناك. وهيك عزيزي الاصلاحي (السابق) بتحتفظ بصورة حلوة رومانسية عن أرض الوطن وبتصير تحط جسر عبدون بروفايل بيكتشر، وتحضر التلفزيون الاردني ستريمٍنغ واتدمع، وتتوحم على شاورما، لحد ما تضطر تنزل على البلاد اسبوعين كل سنتين، فبتشوف أهلك وبتاكل شاورما وبتقرف حياتك من رابع يوم وبتحمد ربك انك نفدت. فالحياة قصيرة والانسان بعيش مرة وحدة، واضح إنه ما إلها حل عن قريب

خيار الاصلاحي الثالث (لغايات إكمال القائمة): تنساك من فكرة الاصلاح وتنتظر (أو تعمل، حسب رغبتك بالمغامرات) تطور الظروف الموضوعية لرفع سقف المطالب فوق الاصلاح (إلي عمره ما راح ييجي، لا من فوق ولا من تحت)، ومن الواضح أن نضوج الظروف الموضوعية يحتاج إلى مدة طويلة كافية لأن تنجلط أو يتخبط على راسك، أيهما أولاً